تاريخ دير الشهيد مارمينا العجايبى
--------------------------------------------------------------------------------
فى خبايا دير مارمينا مريوط
شفاء ابنة ملك القسطنطينية من الجذام والعثور على جسد مار مينا :
ذاع خبر المكان حتى صار ينبوع بركة واستشفاء لكل داء. واشتهر حتى بلغ أقاصي الأرض . وسمع به ملك القسطنطينية وكانت له أبنه وحيدة مصابة بمرض الجذام ، فأرسلها مع حاشيتها الى مصر لتنال الشفاء .
وصلت الأميرة إلى مريوط ، وأخذت من التراب وبللته بالماء ووضعته على جسدها ، وقضت ليلتها في ذلك المكان ،
فظهر لها القديس وعرفها بنفسه وطلب منها أن تحفر في هذا المكان فستجد جسده ,
ولما استيقظت وجدت أنها قد شفيت تماما .
فاستدعت الجند وأمرتهم بحفر المكان ، فعثرت على جسد القديس ، فأرسلت إلى والدها تخبره , ففرح كثيرا وبنى مزارا فوق القبر ( كنيسة صغيرة ) .
كنيسة الأنبا اثناسيوس الرسولى :
التمس أهالي الإسكندرية ومنطقة مريوط من القديس " أثناسيوس الرسولى البطريريك العشرين " بناء كنيسة كبيرة تسع الزائرين . فلم يتمكن البابا اثناسيوس - بسبب ما تعرض له من اضطهاد الحكام الأريوسيين - من بناء الكنيسة الا في عهد الإمبراطور " جوفيان " ( 363 - 364 م ) .
وقد شيدت الكنيسة غاية في الجمال وزينت بالرخام الثمين ، وأقيم أسفلها سردابا ليوضع فيه رفات القديس ، وكرست الكنيسة بحضور مجمعا من أساقفة مصر وكان ذلك في اليوم الأول من شعر أبيب حوالى عام 373 م .
كنيسة الأنبا ثاؤفيلس بمريوط :
بعد مرور عدة سنوات أى فى حكم الملكين " أركاديوس ، وانوريوس " ابنى الملك " ثيؤدوسيوس الكبير "
توجه البابا ثاؤفيلس الثالث والعشرون ( 385 - 412 م ) للأحتفال بعيد الشهيد مار مينا يوم 15 هاتور، فرأى ما تعانيه أعداد الزائرين الغفيرة من المشقة بسبب الزحام حيث ضاقت بهم الكنيسة ، واضطرار الكثيرين الوقوف خارجها .
فكتب الى الملك اركاديوس . فأمر الملك ببناء كنيسة فسيحة وجعلها واحدة مع الكنيسة التى بناها القديس اثناسيوس ،
وعندما أكملها البابا ثاؤفيلس ، جمع مجمعا من الأساقفة وأراخنة مصر وكرسوها بالمجد والكرامة ، فى يوم 15 بؤؤنة .
اتم تزيينها البابا تيموثاوس السادس عشر ( 458 - 480 م ) وبنى معمودية كبيرة فى الطرف الغربى منها .
تأسيس مدينة القديس مينا :
قام الملك زينون ( 474 - 491 م ) المحب للمسيح بزيارة هذه الكنائس وتبارك من جسد الشهيد ، وبنى لنفسه قصرا عظيما بجوار الكنيسة .
أخبر البابا تيموثاوس الثانى البطريرك السادس والعشرون ، الملك زينون عن البربر الذين يغيرون على مريوط ويسببون متاعب للكنيسة ، عندئذ أمر الملك كل العظماء فى المملكة أن يبنى كل منهم قصرا هناك ، وكتب لأراخنة الأسكندرية والذين فى مصر أنه ينبغى على كل واحد منهم ان يبنى لنفسه مكانا هنا ، الى أن جعلوها مدينة وسميت Martyroupolis أى مدينة الشهيد ، ووفد اليها جموع كثيرة وأقاموا هناك .
اعد الملك زينون حامية من 1200 جندى لحراستها من البربر .
خدمات الطريق للزائرين :
كانت بحيرة مريوط طريقا ملاحيا للسفن وتتصل بالفرع الكانوبى للنيل بواسطة قناة تسمى قناة نواقراطس ,
وكان الزوار القاصدون كنيسة الشهيد مينا سواء القادمين من الإسكندرية أو من بلاد الدلتا ، يصلون بالمراكب الى الشاطئ الغربى لبحيرة مريوط ، ثم يتوجهون برا الى الكنيسة .
فى عهد الملك أناسطاسيوس ( 491 - 518 م ) أدرك الحاكم فيلوكسينيتى الصعوبات التى تواجه الجموع الكثيرة فى الطريق الذى يخترق المنطقة الصحراوية ما بين البحيرة والكنيسة ، فأنشا بجانب البحيرة منازلا لأضافة الزوار واستراحات لاستقبال الجموع ، وفى وسطها سوق لشراء احتياجاتهم ومخازن متسعة لإيداع أمتعتهم فيها ، وأطلق اسمه على هذه المنطقة
وعلى طول الطريق من البحيرة للكنيسة أقام استراحات للمسافرين ، مزودة بجرار بها ماء للشرب ، وهكذا كبرت المدينة وعظمت جدا .
بازدياد عدد المرضى الوافدين للاستشفاء أقيمت فيها الحمامات الضخمة ، وكانت تصل إليها المياه عن طريق قناة طويلة تغذى مجموعة كبيرة من الأحواض والحمامات ، كما أعدت أفران كبيرة تحت الأرض لتدفئة هذه الحمامات ، ونسق المكان بحيث يكفل راحة الزائرين الآتيين من اقاصى الأرض يتلمسون البركة .
شيدت كنيسة خاصة أيضا بجوارها من الجهة الشمالية وامتلأت المدينة بالمرافق الحية والأسواق والمصانع المتنوعة للزجاج والأواني الخزفية .
وهكذا تحولت إلى مدينة عظيمة تملاها القصور الرخامية والحمامات الشافية ..
شهرة القديس والمدينة :
كان المرضى يأتون من كل مكان فى العالم ليستشفوا بشفاعة القديس مارمينا ، وكان يصنع بالمنطقة قوارير صغيرة من الفخار تملا من زيت القنديل المعلق فوق جسد الشهيد او من ماء نبع موجود بالقرب من قبر الشهيد ، بأخذها الزائرون لبلادهم للبركة والشفاء .
مما يدل على أتساع شهرة القديس ان هذه الاوانى وجدت فى بلاد عديدة مثل كولونيا وهيدلبرج بالمانيا ، ومرسيليا بفرنسا ، ودلماتيا بيغوسلافيا ، ويلانو بايطاليا ، ووجدت ايضا فى انجلترا ، وفى مدينة دنجلة بالسودان وكذلك فى ميدنة الخرطوم .
كانت هذه القوارير تحمل على جانبها صورة الشهيد مارمينا وعند قدميه الحيوانات البحرية ،، وبعضها كان ينقش عليها صلبان أم اسم الرب يسوع .
ويوجد بالمتحف القبطي بالقاهرة واليوناني بالإسكندرية مجموعة كبيرة من هذه القوارير .
تعد الفترة ما بين القرنين الخامس والسابع الميلادى بمثابة العصر الذهبي لحجاج كنيسة ومدينة القديس مينا .
لقد كانت المدينة هي المكان الثاني للحج بعد القدس .
بعض القوارير الخاصة بتلك المنطقة
تطورات منطقة القبر حتى القرن العاشر :
انخفاض عدد الزائرين :
ظلت المنطقة تتمتع بحياة هادئة عدة قرون ولم يحدث تغيير جذري إلا عند قيام الفرس بغزو البلاد ( 619 م )
ثم نتيجة للفتح العربي بالدرجة الأولى ( 639 - 641 م ) ..
فالزوار الوافدين من المنطقة البيزنطية والمنطقة الرومانية السابقة باتوا من رعايا البلاد الأجنبية المعادية ، لذا توقف حضورهم أو أصبحوا يأتون بأعداد قليلة ، وترت على ذلك حرمان الكنيسة من مصدر هام للدخل .
وهناك احتمال أن عدد سكان المدينة قد تأثر بما حدث في القرن السادس إذ قاست كل منطقة مريوط من وباء الطاعون ، ومن زلزال لابد أنه دمر العديد من المباني وأصاب البشر .
ويذكر واليس بادج :
" انه قرب نهاية حكم الامبراطور هرقل بدا ازدهار المدينة يقل ،، ونقص عدد الحجاج الذين كانوا يأتون للتبرك من مزار القديس مينا .
وخلال سنى الاضطرابات التى حدثت قبيل الفتح العربى وبعده نهبت الكنيسة وسلبت المدينة ثم خربت .
ولكن عندما بدا الاقباط يستعيدون نفوذهم وقوتهم ،
بنيت كنيسة أخرى مكان القديمة وأعيد الاحتفال بعيد القديس "
والعلامة وارد بيركنز Ward Perkins بعد أن يصف ازدهار المنطقة يقول :
" وما كان القرن الخامس يصل منتهاه حتى انتهت معه فترة النمو والازدهار إذ خلال القرنين التاليين لا نجد إلا إشارات قليلة عن المنطقة .
وبسبب ضعف الحكم البيزنطي والفتح العربي لمصر عام 640 م ،
فرغم أن منطقة القديس مينا لم يصبها بطش أو عنف ، لكن حالة الاضطراب والخوف وزعزعة الأمان والاستقرار أثرت تأثيرا شديدا على مواسم الزيارة ، فقل عدد الزائرين وقل الدخل تبعا لذلك ..
وأن ما حل بالكنيسة ( القبطية عامة ) من فقر كان نتيجة لانقطاع الزائرين عن زيارة الشهيد القديس مينا ، الى جانب الحروب المتتالية "
هذا وقد ورد بكتاب تاريخ البطاركة صراحة في سيرة البابا يعقوب البطريرك الخمسون ( 819 - 730 م )
اى بعد الفتح العربي لمصر بحوالى قرنين من الزمان ، أنه عندما شدد عليه أحد الامراء فى طلب الخراج ، لم يكن معه ما يدفع كما ذكرنا من عدم البيعة لانقطاع الناس عن الحضور لبيعة القديس الشهيد مار مينا لكثرة الحروب "
وكان ذلك بسبب القلاقل التي تعرضت لها البلاد بوجه عام ، ومنطقة الإسكندرية ومريوط بوجه خاص ، فذكر كتاب تاريخ البطاركة أنه فى عهد البابا مرقس الثالث البطريرك التاسع والأربعون ( 799 - 819 م ) كان هناك قبيلتين أخذوا غربي مصر وأعمال الإسكندرية ومريوط وملكوا البحيرة جميعها ، وكانت هاتان القبيلتان فى أكثر الأوقات متحاربتين ، ونهب بعضهم بعضا ، وكان على البلاد منهما بلاء عظيم .
زيارة البابا بنيامين :
غادر البابا بنيامين البطريرك الثامن والثلاثين ( 622 - 661 م ) الإسكندرية بناء على إعلان سماوي هربا من وجه قيرش - المقوقس - الخلقيدونى الذى عينه الإمبراطور هرقل بطريركا وواليا على مصر .
وعندما خرج من الإسكندرية توجه إلى مريوط ثم الى الصعيد ويذكر العلامة د. الفريد .ج. بتلر :
" ولا شك أن البطريرك دخل يصلى فى الكنيسة العظمى بها ( أي بكنيسة القديس مينا ) واستراح قليلا ثم مضى في سبيله إلى جبل اسمه برنوج "
اختيار البطريرك من هذه الكنيسة :
كان البابا مينا البطريرك السابع والاربعين فد عين القس يوحنا وهو راهب من رهبان برية شيهيت مسئولا عن كنيسة القديس مينا بمريوط ، لوما تنيح هذا البابا اجتمع الاباء الاساقفة ليختاروا خليفة له فكتبوا أسماء عدة أشخاص ليختاروا أحدهم بالقرعة ، فذكر أحد كهنة الأسكندرية الأتقياء هذا القس ، فكتبوا اسمه وأجروا القرعة ثلاث مرات ، فكان يخرج اسمه فى كل مرة ، فاختاروه لهذا المنصب ، وهو البابا يوحنا البطريرك الثامن والاربعون ( 775 - 799 م ) .
والجدير بالإشارة أن الدارسين يرجحون أن يكون هذا الأب هو الذي كتب سيرة الشهيد العظيم مينا والتي عثر على نسخة لها ضمن المخطوطات المعروفة باسم الحامولي ، وهذا المخطوط هو المرجع القبطي الأساسي لسير هذا الشهيد ولتاريخ منطقة القبر .
سيامة أسقفين فى هذه الكنيسة :
يذكر كتاب تاريخ البطاركة عن البابا مرقس الثالث البطريرك التاسع والأربعين ( 799 - 819 ) أنه :
" لم يكن يتخلى هذا الأب القديس عن الأهتمام بالبيع المقدسة بالاسكندرية والبطريركية وبيعة الشهيد أبى مينا بمريوط .
ومن أدلة اهتمامه بكنيسة القديس مينا بمريوط أنه قام برسامة اسقفين فى هذه الكنيسة وفى عيد الشهيد أى فى اليوم الخامس عشر من هاتور .
ففى ايام هذا الأب كان ما يزال يوجد بعض من ينتمون الى طائفة الهراطقة التى تسمى بارسنوفة أو " من ليس لهم رأس "
وكان يصلى من أجل خلاص نفوسهم ، فقبل الرب صلاته وحول قلبى رئيسي تلك ا لطائفة ، وهما مقدمها واسمه ابراهيم وأوبه جرجه أسقفها ، فتوجها الى الأب البطريرك الأنبا مرقس وأعلنا له ندمهما وطلبا منه أن يعتبرهما من رعيته وأولاده ، ففرح بهما ، ولكى يجربهما عرفهما أنهما لن يكونا فى رتبتهما التى كانا عليها فى طائفتهما لأن سيامتهما ليست من الروح القدس ،
فأجاباه بأنهما لا يريدان ألا ان يسأل الرب أن يغفر لهما ما كانا ليه من الضلال .
وكتبا أمامه أقرارا بأنهما لا يطلبان منه رتبة الأسقف ولا كهنوت ، فسر بهما البطريرك وبارك عليهما ،
وإذ تحقق من صدقهما قام بسيامتهما أسقفين ، وتمت السيامة في كنيسة الشهيد مينا بمريوط وفى يوم عيده .
وهذا التصرف من الأب البطريرك يعنى أنه يعتبر كنيسة الشهيد بمريوط بمثابة الكنيسة البطريركية التي يسام فيها الاساقفة .
نزع الرخام عن الكنيسة :
فى عام 833 م قرر الخليفة المعتصم أن يبنى عاصمته الجديدة ، فأرسل مندوبين إلى البلاد البعيدة ليجمعوا الأعمدة الرخامية ومواد البناء الثمينة .
أرسل إلى مصر شخصا اسمه العازر ، وكان هذا نسطوريا ، فنزع الأعمدة الرخامية من كنائس كثيرة بالإسكندرية فتهدمت .
ونزع الرخام الملون من كنيسة الشهيد مار مينا بمريوط .
لما سمع البابا يوساب الأول البطريرك الثاني والخمسين حزن حزنا عظيما ، وأهتم بسرعة إصلاحها إذ احضر من مصر والإسكندرية ألواح منقوشة ووضعها مكان التي نزعت .
الاستيلاء على أملاك الكنيسة وتوقف الزيارة :
في عهد البابا شنودة الأول البطريرك الخامس والخمسين ( 859 - 880 م ) ، قامت مجموعة من الأعراب وفرضوا سلطانهم على كثير من البلاد ، واستولوا على ممتلكات كنيسة الشهيد مار مينا بمريوط .
حاصر هؤلاء القوم مدينة الإسكندرية لزمن طويل ، حتى عم الضيق والكساد ، حتى أن بيعة الشهيد مار مينا بمريوط ، والتى كانت مسرة جميع شعب مصر الأرثوذكسيين ، قد أمست برية .
مع أن مزار القديس مار مينا لم يصب بسوء ، إلا أن الزوار انقطعوا عن الحضور بسبب هذه الأحداث .
الكنيسة في القرن الثاني عشر :
آخر إشارة تاريخية عن وجود جسد القديس بهذه المنطقة هو ما ذكر فى الكتاب المنسوب لأبو صالح الأرمنى ( 1177 - 1204 م ) إذ يقول في حديثه عن منطقة مريوط :
" بيعة الشهيد ابو مينا ذو الثلاث أكاليل وجسده مدفونا بها .. ولها آيات وعجائب كثيرة وتظهر كل حين ، وكان لها أوقاف ، وزينتتها أحسن زينة ، وفيها من العمد والرخام الملون قائم ونائم ما لم يشاهد مثله "
بعدها تعرضت المنطقة للهدم والتدمير ولغارات البدو ، فهجرت تماما ، وبتهدم الكنيسة التي فوق القبر اختفى جسد القديس تحت الأنقاض ، وهذا يعنى أنه حتى أوائل القرن الثالث عشر لم تكن الكنيسة قد تهدمت ولا اختفى الجسد ..