ذكريات بيت لحم
وُلد لكم اليوم في مدينة داود مُخلصٌ هو المسيح الرب. ( لو 2: 11 )
بيت لحم .. يا لها من ذكريات غالية تُعيدها علينا هذه القرية. هناك بعد مشقات السفر الطويل، وبعد التعب في ولادة بنيامين، فاضت روح راحيل، وقبرها هناك إلى هذا اليوم. وفي حقول بيت لحم التقطت الأرملة المسكينة راعوث، التي جاءت من بلاد موآب لتحتمي تحت جناحي إله إسرائيل. وهناك رعى داود الفتى المُحتقر من إخوته قطعان الغنم. وهناك أيضًا، في مسارح تلك القرية الصغيرة، سمع رعاة بسطاء البشارة المُفرحة بولادة المُخلِّص!
لم يكن مكان لرب المجد بالمنزل ليولد فيه، ولذا اضطرت مريم أن تُضجعه في مذود. وبحرص شديد يصف لنا المكتوب هذا المشهد «فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضعٌ في المنزل» ( لو 2: 7 ).
وأذاع الملاك البشارة بمولد المخلِّص، ليس لسكان أورشليم، ولا لوجوه اليهود في بيت لحم، بل كان أول مَن تلقى البشارة أولئك الرعاة الذين كانوا يحرسون حراسات الليل، وقال لهم الملاك: «إنه وُلِدَ لكم اليوم في مدينة داود مُخلصٌ هو المسيح الرب» ( لو 2: 11 ). والمخلِّص لا شك جاء لكل مَن يضع ثقته فيه، ولكن الملاك يقول للرعاة «وُلد لكم» ليبدد خوفهم ويزيح عنهم انزعاجهم. وكل منا يستطيع أن يقول: ”من أجلي جاء المسيح إلى الأرض“.
ثم يقول الملاك: «وهذه لكم العلامة: تجدون طفلاً مُقمطًا مُضجعًا في مذود». يا لها من علامة غريبة لتمييز المسيح الرب من بين جميع أطفال بيت لحم، باضجاعه في مذود! لقد تعرَّف الشعب على شاول، أول ملوك إسرائيل، بأنه «كان أطول من جميع الشعب من كتِفِهِ فما فوق» ( 1صم 10: 23 )، أما العلامة المُميزة ليسوع المسيح فهي منتهى الفقر. والرسول يقول: «فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح، أنه من أجلكم افتقر وهو غني، لكي تستغنوا أنتم بفقره» ( 2كو 8: 9 ). وفي أمثال13: 7 نقرأ «يوجد مَنْ يتغانى ولا شيء عنده». وكم من أُناس يظهرون على غير حقيقتهم، فيفخرون بالغنى المادي والمعنوي الذي لا يمتلكونه. ولكن الكلمة تضيف «ومَن يتفاقر وعنده غنى جزيل». إن البخيل يتظاهر بالفقر ليخفي غناه؛ ولكن ليس الكلام عنه هنا، بل عن آخر، هو رب المجد الذي افتقر بالرغم من أن لديه غنى كثير. هكذا كان في بيت لحم.