صلاة من جوف الحوت
فصلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت، وقال: دعوت من ضيقي الرب، فاستجابني. صرخت من جوف الهاوية، فسمعت صوتي ( يون 2: 1 ، 2)
لا يوجد مكان في هذا الكون لا يمكننا فيه أن نصرخ إلى الرب، ولا توجد حالة مهما بلغت النفس فيها من إعياء، لا نستطيع أن ندعو فيها الرب. فيونان من جوف الحوت صرخ إلى الرب، وفي الإعياء الشديد تعلَّق بالرب «دعوت من ضيقي الرب، فاستجابني. صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي ... حين أعيَت فيَّ نفسي ذكرت الرب، فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك». ومَنْ مِن البشر، كان يمكنه أن يسمع صرخات إنسان محبوس في جوف حوت في أعماق البحار؟ وأية وسيلة إنقاذ كان يمكن أن تصل لشخص تُحيط به المياه من كل جانب، ويلتف عُشب البحر برأسه حتى يكاد يختنق؟
كان يونان في إعياء شديد جسمانيًا ونفسيًا، وكان ضميره مُثقّل بالإحساس بالذنب، وكانت نفسه حزينة مُكتئبة في ضيق وغم، لكنه صرخ إلى الرب، واتجه إلى السيد. ومَنْ سواه يسمع؟ ومَنْ غيره يُنقذ؟
والصلاة لا يحدها مكان، فهي تُقدَّم في أعالي الجبال، أو في أعماق البحر. في المكان الذي يوجد فيه الإنسان برضاه، أو رغمًا عن أنفه. وما أعجب إلهنا، سامع الصلاة، فهو الذي يقترب من النفس المسكينة المُنسحقة المتعلقة به «قريب هو الرب من المُنكسري القلوب، ويخلّص المنسحقي الروح» لأن «عينا الرب نحو الصديقين، وأُذناه إلى صراخهم» (مز34). إنه لا يرفض أبدًا نفسًا تتعلق به مهما كانت حالتها أو ظروفها أو الخطر المُحدق بها.
ونحن لا نعلم كيف صلى يونان؟ وفي أي وضع جسماني صرخ إلى الرب؟ تُرى، هل استطاع أن يصلي واقفًا؟ أم كان راكعًا؟ أم منبطحًا على ظهره، أو على بطنه؟ لا يهم الوضع الجسماني، فالمهم هو حالة القلب. المهم أن تكون النفس خاضعة، والإرادة مُسلَّمة للرب.
تُرى، أ كان يونان يصلي بصوت مسموع، أم كان يهمس في داخله في انكسار وخضوع؟ الأمر سيان، طالما أن القلب تعلق بالرب بإيمان عظيم. وما الإيمان سوى تحول النفس والمشاعر كُلية تجاه الرب. وهل يتحول الرب عن القلب الذي تعلَّق به؟! وهل يتأخر الرب عن النفس الصارخة إليه؟! كلا. إنه يُسرّ أن يستجيب الصلاة، وأن ينجي النفس الواثقة فيه «وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر».