إجعل الله هدفاً لك ، وتقدم نحوه خطوة خطوة 000
طبيعى أنك لا تستطيع أنك تبدأ حياتك الروحية بالكمال، وأن يكون الله هو الكل بالنسبة إليك. ولكن إبدأ بأن تعرف الله، على أن تنمو فى هذه المعرفة. وأن تحب الله، وتنمو فى هذا الحب. وتعطى الله من قلبك، وتنمو فى الإعطاء وتفتح داخلك لله ليسكن فيه، وتوسع مكان سكناه.
درب نفسك أن تترك باستمرار بعض ما تحبه لأجل الله000
إلى أن يأتى الوقت الذى تستطيع فيه أن تترك كل شئ لأجله. خذ الصوم مثلاً: هل هو مجرد ترك طعام شهى لأجل الله؟ كلا، وإنما هذا الصوم هو تمهيد لأن تترك كل ما تشتهيه من أجل الرب. إنه فترة روحية،تقوى فيها الروح على الجسد،لتقترب إلى الله، ةيزداد إقترابها يوماً بعد يوم.
وكلما تقل محبتك للعالميات،تزداد محبتك لله. المهم أنك لا تقف عند خطوة معينة، إنما تقدم باستمرار.
كن كالبذرة ، التى تصير شجرة ، ثم تنمو وتنمو000
قال السيد الرب "هكذا ملكوت الله: كأن إنساناً يلقى البذار على الأرض، وينام ويقوم ليلاً ونهاراً، والبذار يطلع وينمو وهو لا يعلم كيف، لأن الأرض من ذاتها تأتى بثمر،أولاً نباتاً،ثم سنبلاً ثم قمحاً ملآن فى السنبل"(مر26:4-28).
هكذا طبيعة النمو: بذرة،عشب،نبات،سنبل،ثمر…
هات أية بذرة،والقها فى الأرض، فإنها لا تتوقف عن النمو. وإن صارت شجرة، تظل الشجرة كل يوم تنمو، بل كل ساعة وكل لحظة. النمو هو طبيعة فيها،سواء لاحظت أنت هذا يومياً أو لم تلاحظ. طبيعى أنك إذا غبت فترة عنها، وأتيت ستجد النمو واضحاً… والشجرة لا تمل من الصعود، ولا تتوقف.
كن أنت مثل هذه الشجرة، التى تطلع دائماً إلى فوق، وتمتد يميناً ويساراً. وتتدرج من بذرة تحت الإرض،إلى نبات فوق الإرض، إلى كيان ينمو ويعلو ويكبر،وكمثال حبة الخردل التى تشبه بها الملكوت…
هكذا أنت خذ درساً من الشجرة التى تنمو. خصص وقتاً لله،واجعل هذا الوقت يزيد هذا الحب يوماً بعد يوم، وتظهر هذه الزيادة واضحة فى حياتك وعلاقتك بالله.
ولكن إحذر000 إن لم تستطع أن تنمو ، وتوقفت000
إحترس كل الإحتراس ، من أن ترجع إلى الوراء000
وحينئذ يقول لك الرب"عندى عليك،أنك تركت محبتك الأولى" (رؤ4:2).
إنها مأساة حقاً،أن محبة الإنسان لله، بدلاً من أن تزداد،تتوقف،ثم تفتر أو تبرد،ويرجع إلى الوراء، ويشتهى يوماً من الأيام السابقة، أيام حرارة الروح، فلا يجدها. ويصرخ قائلاً "يا ليتنى كما فى الشهور السالفة، وكالأيام التى حفظنى الله فيها، حين أضاء سراجه على رأسى، وبنوره سلكت فى الظلمة" (أى2:29،3).
إن كنت ترجع إلى الوراء، فمتى تصل أيها الأخ؟ ومتى تصلين أيتها الأخت؟والمشوار أمام كل منكما طويل،والهدف ما يزال بعيداً.
لقد عرفت الله. هذا حسن جداً. ليتك تنمو فى المعرفة.
لكن لعلك تسأل : ما حدود هذا النمو ؟
أن شئت الصراحة، لا حدود…
أنت اصطلحت مع الله بالتوبة،وكونت معه علاقة فى النقاوة،وسرت فى طريقه بالمحبة،عاشرته وصادقته وأحببته. وماذا بعد؟ يقول الرسول: "ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم. وأنتم متأصلون متأسسون فى المحبة، حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين، ما هو العرض والطول والعمق والعلو، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة،لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله" (أف19:3).
" لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله"000 ما أعجبها عبارة !
إننى أقف أمام هذه العبارة مذهولاً،لا أعرف… كلما حاولت أن أعوض إلى أعماقها، أجدها أعمق من فهمى ومن إدراكى… ! حقاً من منا يستطيع أن يدرك "كل ملء الله"…؟ ومن منا يستطيع أن يقترب من هذا الملء…؟ أو على الأقل ملء المحبة، التى تربط الإنسان بالله…؟
أنتقل بكم إلى عبارة أخرى أخف، هى قول الرسول :
" إمتلئوا بالروح " (أف18:5)000
ليس فقط أن تكون لك علاقة بالروح، أو خضوع وطاعة للروح، أو أن يحل عليك الروح، بل أن تمتلئ بالروح… لا يخلو جزء منك من ملء الروح، لا قلبك، ولا فكرك، ولا حواسك… الروح يملأ كل ما فيك. ما أعظمها درجة…!
فهل وصلت إلى الإمتلاء بالروح؟ هل فرغت ذاتك من كل شئ آخر، لكى يملأ الروح كل ما فيك، فتحيا بالروح،وبالروح تميت أعمال الجسد(رو13:
؟
أنظر إلى قول القديس يوحنا الرسول فى سفر الرؤيا "كنت فى الروح،فى يوم الرب"(رؤ10:1). ولأنه كان فى الروح، رأى السماء مفتوحة،ورأى عرش الله،ورأى السيد المسيح ووجهه كالشمس فى قوتها… كل ذلك،لآنه كان فى الروح… إذن ما معنى عبارة "الإمتلاء بالروح"؟ وكيف يصل الإنسان اليها ؟
إن لم تصل إليها ، لا تقف. سر نحوها000
إعرف أنك إن كنت سائراً نحو هدف معين،وقطعت نصف الطريق إليه أو ثلاثة أرباعه. فأنت لم تصل بعد إلى غايتك، فيجب أن تكمل مسيرتك نحو هدفك، بكل أمانة. يعز بك قول المرتل فى المزمور الكبير "طوباهم الذين بلا عيب،فى الطريق" (مز1:119).
باستمرار كن ماشياً فى الطريق،متقدماً فيه، ولو خطوة خطوة. تقترب إليه اليوم أكثر من أمس، وباكر أكثر من اليوم، وبعد باكر أكثر من باكر. وقل معالرسول:
" ليس إنى قد نلت أو صرت كاملاً ، لكنى أسعى لعلى أدرك"
ويشرح ذلك بقوله "إيها الأخوة، أنا لست أحسب نفسى أنى قد أدركت. ولكنى أفعل شيئاً واحداً، إذ أنا أنسى ما وراء، وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض…" (فى12:3-14). سر مع القديس بولس إيها الحبيب، وامتد معه إلى قدام…
كل يوم يمر عليك ، فليقربك إلى الله بالإكثر000
فى نموك الروحى، وفى علاقتك بالله،إجعل كل يوم يمر عليك، يزيدك معرفة بالله، ويزيدك حباً له، والتصاقاً به، وثباتاً فيه. ويزيدك خدمة له وبناء لملكوته. وفيما أنت تقترب كل يوم إلى الله،إحترس من المعطلات التى تقابلك فى الطريق.
إحترس من الأهداف الجانبية ، التى تعوقك عن الله000
الله هو هدفك الوحيد،وليس لك هدف آخر غيره. ولكن العدو إذ يريد أن يعطلك، يقدم لك- فى مسيرتك الروحية- أهداافاً أخرى جانبية، ربما تبدو سليمة أمامك. ولكن القصد منها تعطيلك عن التركيز فى الله ومحبته… فاحترس منها.
صدقنى، إن ملائكة الله فى السماء أو وهى "مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثو الخلاص " (عب14:1)، هذه الملائكة تعجب جداً، إذ تجدنا متمسكين بأمور تافهة، جاعلين منها أهدافاً تعطل مسيرتنا نحو الله!
حقاً، إن كل رغبة غير الله، هى رغبة تافهة، ولا يمكن أن تشبع القلب إشباعاً حقيقياً. وكما قال القديس أوغسطينوس، مناجياً الله فى اعترافاته:
" ستظل قلوبنا قلقة ، إلى أن تجد راحتها فيك "
إن الله إن رآنا بدلاً من الإمتداد إلى قدام، فى الطريق إليه، قد توقفنا عند بعض الأهداف الجانبية، فشغلتنا عنه،ووهبناها من الوقت والجهد والصحة والعاطفة والإهتمام، ما كان يجب أن نقدمه إليه هو، الهدف الحقيقى وحده… فإنه يقول لنا نفس العبارة التى قالها قديماً للشعب التائه فى البرية:
" كفاكم قعوداً فى هذا الجبل " (تث6:1)
إمتد إذن إلى قدام. ولا تسمح لأى شئ أن يعطلك فى الطريق. كل محبة تشغلك عن محبة الله، أو تحاول أن تحل بدلاً من محبة الله فى قلبك، وكل رغبة أو شهوة تسبب لك فتوراً فى روحياتك، إقلعها والقها عنك… واحتفظ بالله وحده فى قلبك،لا ينافسه شئ، ولا ينافسه أحد…
وليكن الرب معك ، يقويك وينميك ،
ويقود خطواتك إليه .