1- ثقة فى الله ، غير محدودة :
أتسأل : ما هى حدود الرجاء فى مراحم الله ؟ فى الواقع ، ليس لهذا الرجاء حدود
فبمقدار ما تكون مراحم الله ، هكذا يكون الرجاء فيها 0
ومادامت مراحم الله غير محدودة ، هكذا أيضاً الرجاء فى مراحم الله غير محدود 0
إن الرجاء هو احدى الفضائل الثلاث الكبار ( 1 كو 13 : 13 ) 0
وهو – ككل فضيلة – ينمو فى الإنسان حتى يصل إلى كماله النسبى فيه ولا يبلغ الرجاء كماله ، إلا إذا خلا من كل شك ، وتثبيت بكل يقين 0
وثقة الرجاء تاتى من أمرين : أحداهما يتعلق بالله ، والثانى بالإنسان نفسه 0 أما عن الرجاء – من جهة الله – فهو يبنى على الإيمان بصفات الله ، ومعاملاته السابقة ، وكفارة دمه ، وصدق مواعيده 0
ومن صفات الله أنه غير محدود فى رحمته وشفقته ومغفرته ومحبته ، وأنه لا يسر بموت الخاطئ ، بل بأن يرجع ويحيا ( حز 18 : 23 ) 0
ومعاملات الله السابقة تثبت لنا هذه الصفات 000 وكفارة دمه غير محدودة ، كافية لغفران خطايا العالم كله من أول الدهور إلى آخرها 0 أما وعوده فهى كثيرة وصادقة تفتح أبواب الرجاء واسمه أما التائبين 0
هذه هى احدى زوايا الرجاء 0 ومن ينظر منها إلى الأبدية ، يشع أملاً 0
أما الزواية الأخرى فهى الإنسان ذاته 0 فهل نظرة الإنسان إلى ذاته يمكن أن تجلب الثقة بأنه ضامن للملكوت ؟
ب- عدم ثقة بإرادتنا الخاصة :
لست أميل إلى الترتيلة التى تقول ( إني واثق 000 ) هى ترتيلة بروتستانتية بلا شك 0 وعلى الرغم من أن بعض ألفاظها سليمة وصحيحة ، إلا أنها – فى مجموعة – تعطى تعليماً بروتستانتيا ًغير سليم 0
إن سألك أحد ( هل أنت واثق ؟ ) فبماذا تجيب ؟ 000
نعم ، أنا واثق بدم المسيح ، ثقة لا حدود لها 0 ولكنى لا أثق بنفسى 0 لا أثق بحرية إرادتي ، التى ربما تميل إلى الشر 0 وبعدما بدأت بالروح ، ربما أكمل بالجسد ( غل 3 : 3 ) 0
ولذلك فان الذين يفقدون الخلاص ، يفقدونه ليس بسبب أن الله عاجز عن أن يخلصهم ، وإنما بسبب أن أرادتهم الحرة قد انحرفت نحو الشر 000
فهل يفقد الإنسان الرجاء ؟ كلا فهذا تطرف وقع فيه قايين – أول خاطئ من بنى آدم – حينما قال ( ذنبى أعظم من أن يحتمل ) ( تك 4 : 13 ) 0 وفى قطع الرجاء وقع يهوذا أيضاً ، إذ مضى وخنق نفسه ( مت 27 : 5 ) 0
وكما يخطئ الإنسان إذا فقد الرجاء ، يخطئ أيضاً إذا اعتمد على رجاء كاذب مبنى على بره الذاتى 0 ويخطئ كذلك إذا كان فى اعتماده على دم المسيح ، ينسى اجتهاده واحتراسه ، ولا يفعل ما يجعله مستحقاً لفاعلية دم المسيح 000
ويخطئ من يظن أنه لا صلة له بالخطية على الإطلاق ، وأنه قد تجدد وقد تقدس وأصبح فى حياة أخرى لا يمكن فيها أن يخطئ 0
هذا أيضاً رجاء كاذب ويختفى وراءه لون من البر الذاتى ، سواء كان يدرى به صاحبه أو لا يدرى 000
إننا نثق بدم المسيح ، ونثق بكفارته وفدائه 0 ولكننا – فى داخل أنفسنا – نعترف بأننا خطاة ، ونعترف بأنه ما أسهل أن تضيعنا خطيئتنا 000
إن الذى يقول ( أنا ضامن للملكوت ) كأنه يقول : ( أنا ضامن إنني سوف لا أخطئ 0 وإن أخطأت ، فأنا ضامن إننى سوف أتوب توبة صادقة مقبولة !! أو لعل مثل هذا يحتج على كلامى ويقول : كلا ، سوف لا أتحدث عن التوبة 0 وإنما إن أخطأت ( فلنا شفيع عند الآب ، يسوع المسيح البار ، وهو كفارة عن خطايانا ) ( 1 يو 2 : 1 ، 2 )
نعم ، يا أخى 0 هو كفارة عن خطايانا 0 ولكن هو أيضاً الذى قال ( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ) 0 هل تظن أنه سيشفع فيك دون أن تتوب ؟! كلا ، إن هذا وهم باطل 0 فاهتم بأبتديتك إذن وتب 0
وأعرف أن الذى لا يتوب ، سوف لا يشفع المسيح فيه 0 وإنما ينذره قائلاً : ( احفظ وتب 0 فإني إن لم تسهر ، أقدم عليك كلص ، ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك ) ( رؤ 3 : 3 ) 0
تواضع إذن يا أخى 0 وأستمع إلى قول بولس الرسول منذراً ( 000 إذن من يظن أنه قائم ، فلينظر أن لا يسقط ) ( 1 كو 10 : 12 ) 0
إنك لست أقوى من الذين سقطوا ، بل ربما لم تصل إلى شئ من درجتهم بعد ، قبل سقوطهم 0
أنظر ماذا يقول بولس الرسول وتمعن جيداً فى الصفات التى يوردها 0 أنه يقول بولس الرسول ، وتمعن جيداً فى الصفات التى يوردها 0 أنه يقول ( لأن الذين استنيروا مرة ، وذاقوا الموهبة السمائية ، وصاروا شركاء الروح القدس ، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى ، وسقطوا [ عب 6 : 4 – 6 ] 0
يا للهول ، ويا للخوف !! هل وصلت يا من تضمن الملكوت إلى هذه الدرجات العالية التى كانت لأولئك ؟! هل استنرت ، وصرت شريكاً للروح القدس ، وذقت الموهبة السماوية وكلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى ؟!
ومع ذلك فإن الذين نالوا كل هذه المواهب قد سقطوا 0 ولم يسقطوا فقط بل هكوا 0
لأن الرسول يقول إنه ( لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة ) ويشبههم بأرض ( مرفوضة وقريبة من اللمنة ، التى نهايتها الحرق ) ( عب 6 : 6 ، 8 ) 0
جـ - هل خلصت أم لم تخلص ؟
قال لى أحد الشبان : ( بماذا أجيب إذن ، إن سألنى شخص قائلاً ( هل خلصت أم لم تخلص ؟ ) 000
أولا يجب أن تدرك أن من يسألك هكذا ليس أرثوذكسياً خالصاً 0 لابد أن يكون بروتستانتى المذهب ، أو على الأقل بروتستانتياً فى بيئته وثقافته 0 لأن الذى يتجاهل معموديتك ، وما نلته من الأسرار المقدسة ، ويلقى فى نفسك الشك فى إيمانك ، ودعوك من الآن إلى الإيمان وإلى الخلاص ، كما لو كنت وثنياً فى حياتك السابقة !! مثل هذا ، لا يمكن أن يكون أرثوذكسياً ، فلغته تظهره 0
أما الإجابة على سؤاله فهى : نعم ، إننى خلصت فى المعمودية من الخطية الأصلية ، الخطية الجدية الموروثة 0 نلت هذا الخلاص الأول بدم المسيح وفاعلية كفارته وفدائه 0 أما الخلاص النهائى ، فنناله بعد أن نخلع هذا الجسد 0 أننا ما نزال فى حرب ، ( ومصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع 000 أجناد الشر الروحية ) ( أف 6 : 12 ) 0 وسننال الخلاص عندما نغلب وننتصر فى هذه الحرب 000
وطالما نحن فى الجسد ، لا نستطيع أن نقول أننا أنتصرنا وخلصنا 0 لذلك فالكنيسة المقدسة لا تعيد للقديسين فى يوم ميلادهم الجسدى ، ولا فى يوم انضماهم إلى الكنيسة ، وإنما فى يوم نياحتهم ، أو استشادهم ، عملا بقول الكتاب ( انظروا إلى نهاية سيرتهم ، فتملثوا بايمانهم ) ( عب 13 : 7 ) 0 وهكذا فى مجمع القديسين فى القداس الإلهى ، نذكر نفوس جميع الأبرار الذين كملوا فى الإيمان ، أو اكتملت حياتهم فى الإيمان 000
نذكر هنا قصة نياحة القديس العظيم الأنبا مقاريوس الكبير الذى طاردت الشياطين روحه بعد خروجها من الجسد ، قائلين له ( خلصت يا مقاره ) وكيف لم يقل ( نعم ، بنعمة المسيح خلصت )
إلا بعد أن دخل الفردوس 0
5 – لتكن اجابتكم من إيمان الكنيسة :
إن سئلتم سؤالاً عقيدياً ، فلا تجيبوا مطلقاً معتمدين على فكركم الخاص أو فهمكم الخاص 0 فقد قال الكتاب ( على فهمك لا تعتمد ) ( أم 3 : 5 ) 0
أنت ابن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، جاوب إذن بإيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية 0 إيمانها كما يظهر فى كتبها الكنسية المعترف بها ، وكما يظهر فى أقوال آبائها ، وفى قوانينها وتقاليدها 0
وسأنتظر الآن إلى كتابين هامين من كتب الكنيسة هما الخولاجى المقدس والأجبية ، وأرى ماذا يعلماننا فى موضوعنا هذا 000
إنك تصلى كل يوم فى صلاة الغروب وتقول ( إذا كان البار بالجهد يخلص، فأين أظهر أنا الخاطئ ) 0 ( أحسبنى يا الله مع أصحاب الساعة الحادية عشرة ، لأنى أفنيت عمرى فى اللذات والشهوات ، وقد مضى منى العمر وفات ) 0 ( لكل إثم بحرص ونشاط فعلت ، ولكل خطية بشوق واجتهاد ارتكبت ، ولكل عذاب وحكم استوجبت ) 0
هل فى عبارة واحدة من كل هذا ، ما يدل على أنك قد خلصت وضمنت الملكوت وانتهى الأمر 0 أم هى صلوات من نفس منسحقة معترفة بخطاياها ، معترفة بأنها تستحق كل عقوبة ، طالما الرحمة من الرب ؟
بنفس هذا الانسحاق تقف أمام الله فى صلاة النوم وتقول ( هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعب من من أجل كثرة ذنوبى ، لأن العمر المنقضى فى الملاهى يستوجب الدينونة 0 لكن توبى يا نفس مادمت فى الجسد ساكنة 000 ) 0 وتوبخ نفسك قائلاً ( إذا انكشفت أفعالك الرديئة وشرورك القبيحة ، أمام الديان العادل ، فأي جواب تجيبى ، وأنت على سرير الخطايا منطرحة ، وفى إخضاع الجسد متهاونة !؟ ) 000
إنه انسحاق العشار الواقف أمام الله فى ذلة ، وليست كبرياء الفريسى 000 إننا لا نقف كأبرار قد تجدوا وتقدسوا ، ونالوا الخلاص ، وضمنوا الملكوت إنما فى كل صلاة نعترف باستحقاقنا للدينونة ونطلب الخلاص 000
وهكذا فى صلاة ( تفضل يارب ) فى صلاة النوم ، يتضرع كل منا قائلاً : ( أنا طلبت إلى الرب وقلت : أرحمنى وخلص نفسى ، فانى أخطأت إليك 0 ألتجأت يارب إليك ، فخلصنى ، وعلمنى أن أصنع مشيئتك ) 0
وصلاة الساعة السادسة نستهلها بقول المزمور ( اللهم باسمك خلصنى ) ( مز 53 : 1 ) 0 ونقول فيها ( مزق صك خطايانا ، أيها المسيح إلهنا ونجنا ) 0
وهكذا تعلمك الكنيسة أن تتضرع إلى الرب كل يوم أن يمزق صك لخطاياك ، مختتماً هذه القطعة من الصلاة بقولك ( كلامى أقوله فيسمع صوتى ، ويخلص نفسى بسلام )
إنك نلت خلاصاً فى المعمودية من خطيئتك الأصلية ، ومات إنسانك العتيق ، عندما مت مع المسيح ودفنت معه 0 ولكنك مع ذلك ، ما تزال تخطئ كل يوم 0 وإن قلت إنك تخطئ تضل نفسك ولا يكون الحق فيك ( 1 يو 1 : 8 )
أنت تخطئ كل يوم ، وأجرة الخطية الموت 0 إذن فأنت تتعرض للموت كل يوم 0 وتحتاج فى كل يوم إلى الخلاص 0 تحتاج إلى دم المسيح يومياً ليطهرك من كل خطية 0 لذلك تحتاج باستمرار إلى أن تعترف بخطاياك ، وتتوب ، وتتناول من جسد الرب ودمه الذى ( يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا ، وحياة أبدية لكل من يتناول منه ) حسبما تعلمنا صلوات القداس الإلهى 0
إنه خلاص يتجدد باستمرار ، تطلبه كل يوم ، وتأخذه فى كل توبة وفى كل تحليل يصليه الكاهن على رأسك ، وفى كل تناول من جسد الرب ودمه 0